تَذَكَّرْتُهُ كثيراً في ليالي رمضان المُنصرم، كما تَذَكَّرْتُهُ طويلاً في العامين الماضيين، وَتَذَكَّرَهُ الأهل والجيران، فقد كان يُحيي ليالي هذا الشهر الكريم بالأذكار والصلوات وبالدعوة إلى الخير والمحبَّة، وكان صوتهُ يدخل القُلوب قبل الآذان.
ومن هُنا فقد افتقدناهُ، افتقدهُ المسجد والحيّ، وافتقدتهُ العائلات الفقيرة التي كان يمدّها بما يجُود بهِ أهل الخير، وعندما بنى مسجدهُ المعروف بجُهدهِ وبمُساعدات بعض الميسورين، تحوَّل ذلك المسجد إلى مُؤسَّسةٍ خيريةٍ تمدّ المُحتاجين بما يُخفِّف عنهم وطأة الحاجة وذُلّ السُّؤال، وهُم الآن، بعد غيابهِ، يُعانون مرارة البُؤس وشظف العيش.
عَرَفْتُهُ طالباً، وَعَرَفْتُهُ داعيةً وخطيباً، وجمعنا في البداية جُوارٌ في السكن، كما جمعنا - في ما بعد - جُوارٌ في المسجد الذي يخطب فيهِ ويقوم بتدريس الحديث لرُوَّادهِ، وقد تحاورنا كثيراً، ورُبَّما اختلفنا كثيراً في بعض الأُمور، والاختلاف بابٌ من أبواب التواصل والبحث عن نقاطٍ للاتِّفاق، والاختلاف بين اليمنيين، بل بين العرب والمُسلمين، على اختلاف مواطنهم وانتماءاتهم، السياسية والفكرية، لا ينبغي أن يُفسد للودِّ قضيَّةً، ولا يجعل الجميع ينسون أنَّ هدفهم واحد، وأنَّ عدوَّهم واحد، كما أنَّ الاختلاف، مهما اشتدَّ، لا يجعلهم ينسون واجباتهم تجاه أشقَّائهم الذين يتعرَّضون للظُّلم الفادح والاضطهاد الشنيع من قِبَل القُوى الطاغية التي أَمْسَكَتْ بزمام العالم، من دُون شُعورٍ بالمسؤولية أو إحساسٍ بما ينبغي أنْ تكون عليهِ قيادة العالم وما تتشدَّق بهِ هذهِ القيادة المزعومة من مبادئ الديمقراطية وحُقوق الإنسان.
ولعلَّ ما يتعرَّض لهُ الداعية الجليل مُحمَّد المُؤيَّد من عقابٍ قاسٍ وسجنٍ بلا مُبرِّرٍ يدعو اليمنيين، بل العرب وسائر المُسلمين، إلى الاستنكار والمُطالبة الفورية بإطلاق سراحهِ وإدانة أُسلوب القرصنة والخداع الذي اتَّخذتهُ معهُ قُوى المُخابرات الدُّولية لتجريمهِ ظُلماً وعدواناً وبُهتاناً، وهُو الإنسان الذي يُؤمن إيماناً راسخاً بأهمِّيَّة التسامح والابتعاد عن العُنف، ويلتزم أُسلوب المُصلحين الداعين إلى الحقِّ بالحكمة والموعظة الحسنة، لا سيَّما بعد أنْ اتَّسَعَتْ معارفهُ وَامْتَلأَتْ رُوحهُ بحُبِّ الخير للجميع، دُون تفريقٍ بين قريبٍ أو غريب، وذلك شأن داعيةٍ استوعب رُوح الإسلام ومقاصد شريعتهِ السمحة، تلك التي تُساوي بين جميع البشر، بغضِّ النظر عن أعراقهم ودياناتهم وثقافاتهم وأساليب حياتهم.
قلبي معهُ، وعواطفي ومشاعري، وهُو يقضي أيَّامهُ الطُّوال في زنزانتهِ الضيِّقة بلا ذنبٍ جناهُ أو جريمةٍ ارتكبها في حقِّ أيِّ مخلوقٍ على وجهِ الأرض، قلبي معهُ وهُو يُؤدِّي ضريبة إيمانهِ وحُبِّهِ للخير، ضريبة الكراهية التي يكنُّها الآخرون لوطنهِ وعقيدتهِ، ولا أشكُّ للحظةٍ واحدةٍ أنَّهُ - على الرغم من الأُسلوب الوحشي الذي يُمارَسُ عليهِ - يعيش في طمأنينةٍ تامَّة، وأنَّ إيمانهُ الكبير قد حوَّل الزنزانة الضيِّقة إلى حديقةٍ وارفة الظلال، كما أنَّ ثقتهُ ببراءتهِ من التُّهم الكيدية التي تُلصقها بهِ المُخابرات الدُّولية، تجعلهُ غير مُبالٍ ولا مُكترثٍ ولا مُلتفتٍ إلى معنى الحُكم المُثير للسُّخرية، الذي صدر في حقِّهِ دُون تحقيقٍ في أبعاد الحيثيات التي تكشف عن لُؤم المُؤامرة الدنيئة التي حاكها المُجرمون من أجل الإيقاع بهِ واختطافهِ.
أخيراً، إذا كَانَتِ العدالة الأرضية قد نَامَتْ في قضية الشيخ الجليل مُحمَّد المُؤيَّد، فإنَّ العدالة السماوية لا ولن تنام.
الشاعر الكبير مُحمَّد عبدالسلام منصور وكتاب عن تجربتهِ الشِّعْرِيَّة
&&&< الكتاب للروائية والكاتبة الكُويتية المعروفة ليلى العُثمان، ويتناول، بالنقد والتحليل، قصيدةً واحدةً من ديوان «على خُطى النفري» للشاعر الكبير مُحمَّد عبدالسلام منصور، وعنوان القصيدة «موقف الموت»، وقد أَحْسَنَتِ الكاتبةُ الاختيارَ، كما أَجَادَتْ في قراءة القصيدة، وَأَتْبَعَتِ القراءة النقدية بحُوارٍ مع الشاعر، لا يتحدَّث فيهِ عن أجواء القصيدة موضوع الدراسة فحسب، وإنَّما يُحلِّق في أجواء تجربتهِ الشِّعْرِيَّة بكُلِّ أبعادها، الفنِّيَّة والفكرية والفلسفية والرُّوحية.
تأمُّلاتٌ شِعْرِيَّة :
وَعَلَىْ هَمْسِ الآيَاتِ القُرْآنِيَّةِ
يَنْفَتِحُ اللَّيْلُ
يَصِيْرُ نَهَارَاً
وَالزِّنْزَانَةُ تَغْدُوْ أَوْسَعَ
مِنْ بَاحَاتِ الْبَيْتِ الأَسْوَدْ.
طُوْبَىْ للْمَظْلُوْمِيْنَ
ضَحَايَا الزَّمَنِ «الْبُوْشِيْ»
طُوْبَىْ لِرِجَالٍ لاَ يَخْشَوْنَ السِّجْنَ
وَلاَ يَخْشَوْنَ المَوْتَ
وَلاَ يَخْشَوْنَ أَسَاطِيْلَ الزَّمَنِ الأَرْمَدْ.