أعدّت صحيفة 'هآرتس' العبرية الأربعاء تقريراً شاملاً حول نتائج الحرب على غزة، وعنونت التقرير بأن الحرب سببت للدولة العبرية أضراراً كبيرة للغاية في الرأي العام العالمين وفي صفوف الدبلوماسيين العاملين في تل أبيب. ونقلت الصحيفة عن سفير لإحدى الدول الأوروبية، الذي يعتبر من أهم أصدقاء إسرائيل قوله قبل عدة أيام: إننّي أفهم لماذا بدأتم بالعملية العسكرية، وأنا أؤيدها، وأيضاً أصدقائي يتبنون نفس الموقف، ولكن قبل عدة أيام بدأت اسرائيل باجتياز جميع الخطوط الحمراء في الحرب.
وتابع قائلاً: أيضاً نحن نريد أن نضرب حماس، وأيضاً نحن لم نكن لنقف مكتوفي الأيدي، في حال قيام تنظيم بإطلاق الصواريخ علينا، لقد كان واضحاً لنا منذ البداية انّه في أي عملية في غزة سيصاب العديد من المدنيين، وكنّا على استعداد لتقبل ذلك حتى حدود معينة، ولكن في الأيام الأخيرة، بات واضحاً وجلياً أن العملية الإسرائيلية في غزة خرجت عن السيطرة، وأن قتل المدنيين بات كبيراً للغاية، وهو الأمر الذي نرفضه، على حد تعبير الدبلوماسي.
ولفتت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للدبلوماسي إياه هو تقرير الصليب الأحمر الدولي الذي أكد أن أطفالاً فلسطينيين بقوا لعدة أيام بدون طعام أو شراب بجانب جثث أمهاتهم تحت الأنقاض، بالإضافة إلى تقارير أخرى أكدت على أنّ مواطنين فلسطينيين لفظوا أنفاسهم الأخيرة، بسبب منع قوات الجيش الإسرائيلي سيارات الإسعاف الفلسطينية من الوصول إليهم ومحاولة إنقاذهم.
وتابع الدبلوماسي الأوروبي قائلاً للصحيفة الإسرائيلية إنّ التقارير تؤكد مقتل أكثر من مائتي طفلاً فلسطيني، أنا لا أعرف كيف أفسر الأمر لنفسي، وزاد قائلاً: إنّ العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة باتت عملية وحشية للغاية، والإسرائيليون لا يفهمون مدى الضرر الذي ألحقته العملية بالدولة العبرية في العالم.
وأكد أن الضرر الذي تسبب لإسرائيل لن يكون قصير المدى، بل سيستمر لعدة سنوات، وتساءل: هل هذه إسرائيل التي تريدونها؟. وكتبت الصحيفة أيضاً أنّ رسالة مشابهة تلقتها الدولة العبرية قبل أسبوع عندما اجتمع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس إلى وفد من رؤساء الخارجية الأوروبيين في ديوانه بالقدس الغربية، حيث قال له الوزراء لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، ولكن ما يجري في قطاع غزة فاق كل التوقعات والحملة العسكرية الإسرائيلية غير نسبية بالمرة، ونقلت الصحيفة عن المفوضية العامة المسؤولة عن العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي بينيتا فيرريرو فالندار قولها لبيريس: سيادة الرئيس، إنّ صورتكم في العالم حطمت بشكل كبير للغاية.
واعترفت الصحيفة الإسرائيلية أنّه على الرغم من أنّ موضوع المدنيين وقتلهم لا يهم الإسرائيليين، إلا أنّها لفتت الى أنه في جميع أرجاء العالم تحوّل الموضوع إلى الموضوع الرئيسي، وزادت أن الرأي العام العالمي بات مكشوفاً للصور القادمة من غزة عن قتل المدنيين، خلافاً للحروب في كوسوفو وفي أفغانستان، وهذه الصور لا تقوم وسائل الإعلام الإسرائيلية بعرضها على المشاهدين.
وكشفت الصحيفة النقاب عن أنّه في بداية الحرب على غزة أصدرت وزارة الخارجية أمراً إلى جميع السفراء والقناصل الإسرائيليين في جميع أرجاء العالم بكتابة التقارير حول الحرب وتزويدها للخارجية في القدس الغربية، مشيرة إلى أنّه في البداية لم تكن التقارير كثيرة بسبب الأعياد المسيحية، ولكن بعد انتهاء الأعياد وصل سيل من التقارير الإسرائيلية من جميع أنحاء العالم والتي أكد معدوها أنّ صورة الدولة العبرية في العالم أصيبت بشدة وشوهت للغاية، وأنّ الصحافة الأجنبية تقوم بنشر تقارير معادية لإسرائيل، وخصوصاً عن قيام الجيش الإسرائيلي بقتل المدنيين الفلسطينيين في غزة. ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى في الخارجية الإسرائيلية قوله إنّك تقرأ التقارير وتصيبك حالة من الذهول.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، أضاف المسؤول الإسرائيلي، ففي أسبانيا هناك العديد من التنظيمات غير الحكومية، التي تبرعت بالأموال لرئيس الوزراء خلال حملته الانتخابية، تطالب الآن بإعادة السفير الإسباني من تل أبيب كاحتجاج على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل، بالإضافة إلى ذلك، أشار المسؤول إلى المظاهرات الضخمة التي تعم تركيا واليونان وبريطانيا ومحاولات اقتحام السفارات الإسرائيلية.
علاوة على ذلك، قالت الصحيفة إن الخارجية الإسرائيلية تلقت تقارير مقلقة للغاية من الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرة إلى أنّ عدد المتظاهرين في نيويورك المؤيدين لإسرائيل قبل عدة أيام وصل إلى عشرات الآلاف، في حين أن المظاهرات السابقة كان يشارك فيها مئات الآلاف من مؤيدي إسرائيل، وعلّق مسؤول إسرائيلي على ذلك بالقول إنّه من الخزي والعار أن يشارك هذا الكم فقط في مظاهرة مؤيدة لإسرائيل، وإن دلّ الأمر على شيء، فإنّه يدل على عمق المعضلة التي تواجهها إسرائيل في العالم، على حد تعبيره.
وزادت الصحيفة قائلة إن أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين، الذي يخدم في الساحل الشرقي في الولايات المتحدة الأمريكية أعد تقريراً للخارجية وصف فيه المصاعب التي يواجهها، إذ أنّ وسائل الإعلام الأمريكية تقوم باستمرار بتوجيه أسئلة له حول عمليات قتل المدنيين في قطاع غزة، وأكد الدبلوماسي على أنّ قتل المدنيين في غزة سبب أضراراً بالغة للغاية لصورة إسرائيل في وسائل الإعلام الأمريكية. وخلص التقرير إلى القول إنّ مساعي الخارجية الإسرائيلية لتبرير العملية على غزة باءت بالفشل، لأنّ العالم لم يتقبل الرؤية الإسرائيلية بأنّ حماس تستعمل المدنيين كدروع بشرية، ولفت مسؤول رفيع المستوى في الخارجية الإسرائيلية إلى أنّ الضرر الذي لحق بإسرائيل كبير للغاية وسيستمر بضع سنوات على الأقل.
علاوة على ذلك، أفادت الصحيفة، أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تخشى من مؤتمر ديربن الثاني في جنيف ضد العنصري، إذ أنّه سيكون مؤشراً على مدى الضرر الذي أصاب إسرائيل في العالم بسبب الحرب على غزة، ونقلت الصحيفة عن مسؤول في الخارجية قوله إن المؤتمر سيتحول إلى ساحة معركة ضد إسرائيل، حيث أنّها ستُهزم بالضربة القاضية، على حد تعبيره.
* القدس العربي