اليمن وأهلها في القرآن والسنة الشريفة :
إن من منن الله الجزيلة وعطاياه العظيمة على أهل اليمن أن أكرمهم بفضائل ليست لغيرهم، وشرفهم الله تعالى بأن جعل قيام الدولة الإسلامية في أرضهم ( وذلك عندما قامت وتأسست في يثرب {المدينة المنورة} وعلى أيدي رجالها الأوس والخزرج القبائل اليمنية الشهيرة ( الأنصار ) .
لقد جاء في فضل اليمن وأهل اليمن آيات وأحاديث لم تجتمع لغيرهم. وظهرت من أهل اليمن معادن الرجال القوية في إيمانها، المخلصة في وجهتها، المتأسية في سيرها بالمصطفى صلى الله عليه وسلم.
فكان منهم الحكماء والعلماء والبلغاء، وكان منهم القادة والفاتحون والزعماء والإداريون والأبطال، وكان منهم الولاة، ونذكر فيما يلي شيئاً من فضائلهم الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
فضائل اليمن وأهلها في القرآن الكريم:
* اليمن بلدة طيبة:
- قال الله سبحانه وتعالى: [لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ] {سبأ: 15}.
قال العلامة الفضيل الورتلاني رحمه الله في تفسير هذه الآية (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ): "ومن ميزات كلام الله الخلود والإعجاز، وحظ التذكير لنا في هذه الآية أنه من ناحية الخلود يؤخذ أن طيبة هذا البلد أمر مستمر إلى يوم القيامة، ومن ناحية الإعجاز يؤخذ من كلمة (طَيِّبَةٌ): عدم قدرة أحد من الخلق أن يصفها بكلمة واحدة مثلها، مع شمولها لكل ما تنطوي عليه من خيرات نافعة" (1).
* يحبهم ويحبونه:
قال الله سبحانه وتعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] {المائدة: 54}.
ورد في سبب نزول هذه الآية عن عياض الأشعري رضي الله عنه قال: «لما نزلت هذه الآية [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] {المائدة: 54} أومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى الأشعري بشيء كان معه، فقال: هم قوم هذا» . أخرجه الحاكم (2/ 313)، وابن أبي شيبة في مسنده (12 /125)، وابن جرير في تفسيره (12193)، والطبراني في الكبير (17/371 )، وصححه الألباني في الصحيحة (3368).
قال الإمام الشوكاني رحمه الله: "إذا عرفت أن هذه الآية نازلة فيهم بهذه الأحاديث فاعلم أنها قد اشتملت على مناقب لأهل اليمن.
الأولى منها:
اختصاص أهل اليمن بهذه الميزة العظيمة؛ وهي أن الله سبحانه وتعالى يأتي بهم عند ارتداد غيرهم من قبائل العرب التي هي ساكنة في هذه الجزيرة على اختلاف أنواعها وتباين صفاتها، فإن ذلك لا يكون إلا لمزيد شرفهم، وأنهم حزب الله عند خروج غيرهم من هذا الدين.
المنقبة الثانية:
قوله عز وجل: (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) فليس بعد هذه الكرامة والتشريف من الله سبحانه شيء، فإن من أحبه الله قد سعد سعادة لا يماثله سعد، وشرف شرفاً لا يقاس به شرف، وفاز فوزاً لا يعادله فوز، وأكرم كرامة لا تساويها كرامة.
المنقبة الثالثة:
قوله: (وَيُحِبُّونَهُ): وهذه كرامة جليلة، ومنقبة جميلة، فإن كون العبد الحقير محباً لربه -عز وجل- هي الغاية القصوى في الإيمان الذي هو سبب الفوز بالنعيم الدائم، وسبب النجاة من العذاب الأليم، ومن عظم محبة الله -عز وجل- ودلائل صحتها: اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله، والاقتداء به، والاهتداء بهديه الشريف.
قال الله عز وجل: [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ..] {آل عمران: 31} فمن أحب الله واتبع رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فاز بحب بالله -عز وجل- له، وبمحو ذنوبه وارتفاع درجته بين عباد الله المؤمنين.
المنقبة الرابعة:
قوله: (أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ) {المائدة: 54} فإن الذلة لأهل الإيمان من أشرف خصال المؤمنين، وأعظم مناقبهم، وهو التواضع الذي يحمده الله -عز وجل-، ويرفع لصاحبه الدرجات، وفي ذلك الخلوص من معرة كثيرة من خصال الشر، التي من جملتها الكبر والعجب.
المنقبة الخامسة:
قوله -عز وجل-: (أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ) {المائدة: 54} فإن ذلك هو أثر الصلابة في الدين والتشدد في القيام به، والكراهة لأعدائه، والغلظة على الخارجين عنه.
المنقبة السادسة: قوله سبحانه وتعالى: (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) {المائدة: 54} فإن الجهاد هو رأس الواجبات الشرعية، وبه يقوم عماد الدين، ويرتفع شأنه، وتتسع دائرة الإسلام، وتتقاصر جوانب الكفر، ويهدم أركانه.
المنقبة السابعة:
قوله -عز وجل-: (وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ) {المائدة: 54} وهذا هو شأن الإخلاص والقيام لله -عز وجل-، وعدم المبالاة بما يخالف الحق، ويباين الدين.
وجاء بالنكرة في سياق النفي، فيشمل كل لائمة تصدر من أي لائم كان، سواء كان جليلاً أو حقيراً، قريباً أو بعيداً.
وما أدل هذه المنقبة على قيامهم في كل أمر بمعروف أو نهي عن منكر، القيام الذي لا تطاوله الجبال، ولا تروعه الأهوال.
ولما جمع الله -عز وجل- لهم هذه المناقب في هذه الآية الشريفة نبههم على عظيم العطية، وجليل الإحسان فقال: (ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) {المائدة: 54}.
ففيه تلميح إلى أنه قد جمع لهم من فضله ما لم يتفضل به على غيرهم من عباده، وكأن ذلك كالجواب على من رام أن يحصل له ما حصل لهم من هذه المناقب العظيمة أو نافسهم فيها، أو حسدهم عليها".اهـ . باختصار يسير القول الحسن في فضائل أهل اليمن للشوكاني (صـ33- صـ40).
* اليمانيون يدخلون في دين الله أفواجا:
قال الله -سبحانه وتعالى-: [إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ(1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا(2) ] {النَّصر}.
ورد في سبب هذه السورة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: « لما نزلت: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ)؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية » صحيح: أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/404)، وأحمد في المسند (7709) من طريق عبد الرزاق أيضاً، وصححه الألباني في الصحيحة (3369).
فضائل اليمن وأهلها في السنة النبوية المطهرة:
* الإيمان يمان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أتاكم أهل اليمن، أرق أفئدة، وألين قلوباً، الإيمان يمان والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم » متفق عليه رواه البخاري في صحيحه (4388)، ومسلم (52).
قال البغوي رحمه الله في شرح السنة (14/201، 202): "هذا ثناء على أهل اليمن لإسراعهم إلى الإيمان وحسن قبولهم إياه".
* أهل اليمن يشربون من حوض النبي عليه الصلاة والسلام قبل غيرهم:
عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إني لبعقر حوضي -أي: بمكان، وهو موقف الإبل من الحوض إذا وردته- أذود الناس لأهل اليمن، أضرب بعصاي حتى يرفض -أي: يسيل- عليهم. فسئل عن عرضه، فقال: من مقامي إلى عُمان، وسئل عن شرابه فقال: أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، يغت فيه ميزابان، يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من ورق» رواه مسلم (3301).
قال النووي رحمه الله: "هذه كرامة لأهل اليمن في تقديمهم في الشرب منه؛ مجازاة لهم بحسن صنيعهم، وتقدمهم في الإسلام، والأنصار من اليمن، فيدفع غيرهم حتى يشربوا كما دفعوا في الدنيا عن النبي صلى الله عليه وسلم أعداءه والمكروهات" شرح النووي على مسلم (15/62،63). عند شرحه لحديث رقم (3301).
* اللهم أقبل بقلوبهم:
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر قبل اليمن فقال: «اللهم أقبل بقلوبهم، وبارك لنا في صاعنا ومدنا» صحيح: أخرجه الترمذي (4210). وقال الألباني في تخريج أحاديث المشكاة (6263): حسن صحيح، وانظر: صحيح الترمذي (3086).
* أبشروا يا أهل اليمن:
عن عمران بن حصين قال: «إني عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه قوم من بني تميم فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم. قالوا: بشرتنا فأعطنا، فدخل ناس من أهل اليمن فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم. قالوا: قبلنا جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال: كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء، ثم أتاني رجل فقال: يا عمران، أدرك ناقتك فقد ذهبت فانطلقت أطلبها، فإذا السراب ينقطع دونها، وايم الله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم» رواه البخاري (7418).
ففي هذا الحديث يتجلى فضل أهل اليمن في قبولهم البشرى وحرصهم على الفقه في الدين، يتضح ذلك من قولهم بعد قبولهم البشرى: «جئناك لنتفقه في الدين»، فلم يطلبوا شيئاً من أمور الدنيا، ولم يطلبوا العطاء، إنما طلبوا منه الفقه والعلم، فأي فضل أعظم من الفقه في الدين، وأي فضل ناله أهل اليمن.
* اللهم بارك لنا في يمننا:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: ونجدنا، قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله! وفي نجدنا، فأظنه قال في الثالثة: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان» رواه البخاري (1037).
وفي الحديث إثبات فضل اليمن، فهي مباركة بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك الشام.
* جيش الإسلام:
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول بالله صلى الله عليه وسلم: «إن الله استقبل بي الشام، وولي ظهري اليمن، وقال لي: يا محمد، إني جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقاً وما خلف ظهرك مدداً» صحيح: أخرجه الطبراني في الكبير (7642)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1716).
وهذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد انطلق أهل اليمن لفتح الفتوح، وكان منهم القادة في كثير من المعارك التي خاضها المسلمون ضد أعدائهم من الكفار، ووطئت أقدامهم فارس والروم، ووصلوا المغرب الأقصى، وبلاد السند، وجنوب فرنسا، ومن له أدنى إلمام بالتاريخ يعرف ما لأهل اليمن من ماضٍ عريق في الدفاع عن الإسلام والمسلمين.
يمانيــون غـير أنا حفـاة قد روينا الأمجاد جيلاً فجيلا قد وطئنا تيجان كسرى وقيصر جدنا صاحب الحضارات حمير